
الإيمان في الإسلام هو الأساس الذي يقوم عليه الدين كله، فهو الركيزة الأولى التي تميّز المسلم عن غيره.
وقد جاء تعريف الإيمان في القرآن الكريم والسنة النبوية بأنه اعتقاد بالقلب، وقول باللسان،
وعمل بالجوارح. ولقد حدَّد النبي ﷺ أركان الإيمان في حديث جبريل المشهور عندما سأله عن الإيمان
فقال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» (رواه مسلم).



تُعرف هذه الأركان بـ "أركان الإيمان الستة"، وهي بمثابة الأساس العقدي الذي يبني عليه المسلم علاقته بربه،
ونظرته إلى الحياة والآخرة. في هذا المقال سنشرح هذه الأركان شرحًا مفصلاً مع الاستدلال بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية،
لنوضح مكانتها وأهميتها في حياة المسلم.
أولاً: الإيمان بالله
الإيمان بالله هو الركن الأول والأعظم، وهو أساس العقيدة الإسلامية كلها. ويتضمن الإيمان بالله عدة جوانب:
توحيد الربوبية: الاعتقاد بأن الله وحده هو الخالق الرازق المدبر. قال تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الرعد:16].
توحيد الألوهية: إفراد الله بالعبادة دون شريك. قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء:36].
توحيد الأسماء والصفات: إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل.
قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى:11].
أثر الإيمان بالله في حياة المسلم
يقوي صلة العبد بربه.
يزرع الطمأنينة في القلب.
يجعل المسلم مطمئناً أمام تقلبات الحياة لأنه يعلم أن الأمر كله بيد الله.
ثانياً: الإيمان بالملائكة
الملائكة خلق نوراني عظيم، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
قال تعالى: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم:6].
وظائف الملائكة
جبريل عليه السلام: الموكل بالوحي.
ميكائيل: الموكل بالرزق والمطر.
إسرافيل: الموكل بالنفخ في الصور.
ملك الموت: الموكل بقبض الأرواح.
وهناك ملائكة كَتَبَة يحفظون أعمال العباد.
قال تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾ [الانفطار:10-11].
أثر الإيمان بالملائكة
استحضار مراقبة الله للعبد.
تعظيم أوامر الله لأنه يعلم أن أعماله تُكتب وتُحصى.
زيادة الخشية من الله تعالى.
ثالثاً: الإيمان بالكتب السماوية
أنزل الله على أنبيائه كتباً هداية للبشر، منها:
التوراة: أنزلت على موسى عليه السلام.
الزبور: أنزل على داود عليه السلام.
الإنجيل: أنزل على عيسى عليه السلام.
القرآن الكريم: أنزل على محمد ﷺ وهو آخر الكتب وأعظمها.
قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:9].
أهمية الإيمان بالكتب
تصديق خبر الله ورسله.
اتباع القرآن الكريم باعتباره خاتم الكتب والمهيمن عليها.
استمداد القيم والتشريعات من الوحي المعصوم.

رابعاً: الإيمان بالرسل
أرسل الله الرسل ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا﴾ [النحل:36].
خصائص الرسل
بشر مثلنا لكنهم مختارون.
معصومون في تبليغ الرسالة.
جاؤوا برسالة التوحيد.
وأعظم الرسل وأشرفهم هو محمد ﷺ، الذي بُعث رحمة للعالمين.
قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107].
أثر الإيمان بالرسل
يرسخ القدوة في حياة المسلم.
يبين أن الدين الحق واحد وهو عبادة الله وحده.
يزيد حب النبي ﷺ واتباع سنته.
خامساً: الإيمان باليوم الآخر
اليوم الآخر هو يوم القيامة وما بعده من بعث وحساب وجنة ونار.
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ﴾ [الذاريات:5-6].
مراحل اليوم الآخر
البعث والنشور.
العرض على الله.
الحساب والميزان.
المرور على الصراط.
دخول الجنة أو النار.
أثر الإيمان باليوم الآخر
يدفع المسلم للاستعداد للقاء الله.
يردع عن الظلم والمعاصي.
يغرس الأمل بالجنة والصبر على البلاء.
سادساً: الإيمان بالقدر خيره وشره
القدر هو علم الله بما سيكون، وكتابته لذلك، ومشيئته، وخلقه.
قال تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر:49].
مراتب الإيمان بالقدر
العلم: أن الله يعلم كل شيء.
الكتابة: كتب الله المقادير في اللوح المحفوظ.
المشيئة: لا يحدث شيء إلا بإذن الله.
الخلق: الله خالق كل شيء.
أثر الإيمان بالقدر
يمنح المسلم الطمأنينة والرضا.
يحميه من القلق واليأس.
يعلمه التوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله.

أركان الإيمان الستة هي أساس العقيدة الإسلامية، وبدونها لا يتحقق إيمان المسلم.
فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره
يمثل الإطار الكامل لعقيدة المسلم ونظرته للحياة. وقد أكد القرآن الكريم والسنة النبوية
على هذه الأركان، وجعلتها شرطاً لازماً للفوز برضا الله والجنة.
قال تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ [البقرة:177].
من هنا يتضح أن المسلم إذا أراد النجاة فعليه أن يرسخ هذه الأركان في قلبه،
ويعيش بها واقعاً عملياً، لا مجرد اعتقاد نظري.

