تختلف آراء المذاهب الأربعة حول البسملة في الفاتحة: يرى الشافعية والحنابلة أنها آية منها ويجب قراءتها، لكن الشافعية يرون قراءتها جهراً في الصلاة الجهرية سراً في الصلاة السرية، أما الحنابلة فيرون قراءتها سراً في جميع الصلوات. بينما يرى المالكية والحنفية أنها ليست جزءاً من الفاتحة، ولذلك لا يقرؤونها في الصلاة.
حكم قراءة البسملة في الفاتحة في الصلاة عند المذاهب الأربعة:
أَصلُ اختِلَافِ الأَئِمَّةِ فِي هَذِهِ المَسأَلَةِ يَرجِعُ إِلَى اختِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي حَدِيثِ قِرَاءَةِ الفَاتِحَةِ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ حَيثُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، ورُوِيَ بِلَفْظِ كَانُوا يَجْهَرُونَ، وَبِرِوَايَةِ كَانُوا لَا يَجْهَرُونَ، وَفِي مُوَطَأِ مَالِكٍ قَالَ كَانُوا لَا يَقْرَأُونَ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَصَحِيحِ ابنِ خُزَيْمَةَ قَالَ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِـ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ وَلَا يَسْتَفْتِحُونَ بِـ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ بَأَوَّلِ القِرَاءَةِ وَلَا بِآخِرِهَا، فَلِذَلِكَ اختَلَفَ العُلَمَاءُ فِي هَذَا الحُكمِ فَقَالَ كُلٌّ مِنهُم بِقَولٍ، رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَأَرضَاهُم، وَفِي مَا يَلِي تَفصِيلُ حُكمِ المَسأَلَةِ فِي المَذَاهِبِ الأَربَعَةِ.
الحكم عند الحنابلة والحنفية:
قَالَ الحَنَفِيَّةُ وَالحَنَابِلَةُ: تُقْرَأُ البَسْمَلَةُ فِي الفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الفَرْضِ سِرًا، ثُمَّ يَجْهَرُ بِـ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾.
دليل الحنفية والحنابلة:
رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَلَمْ يَكُونُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِـ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾.
الحكم عند المالكية:
قَالَ المَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي صَلَاةَ الفَرْضِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْبَسْمَلَةِ وَالاسْتِعَاذَةِ كَذَلِكَ، بَلِ السُّنْةُ أَنْ يَقْرَأَ: ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالِمِينَ﴾ بَعْدَ التَكْبِيرِ، فَعِنْدَهُمْ لَا يُسْنُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ دُعَاءَ التَّوَجُّهِ وِالاسْتِعَاذَةَ والبَسْمَلَةَ، إِذْ البَسْمَلَةُ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ آيةً مِنَ الفَاتِحَةِ، بَل هِيَ لِلْفَصْلِ بَينَ السُّوَرِ، وَهَذَا الحُكْمُ فِي صَلَاةِ الفَرْضِ، أَمَّا فِي السُّنَةِ قَالُوا لَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَدِئَ بِهِنَّ.
دليل المالكية:
رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، وَهَذَا الحَدِيثُ وَمِثْلُهُ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي ثُبُوتِهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
وَهَذَا لِأَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا الْأَحَادِيْثَ، فَظَنُّوْا أَنَّ الرَّسُوْلَ مَا كَانَ يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ فِيْ فَاتِحَةِ صَلَاةِ الْفَرْضِ.اهـ
الحكم عند الشافعية:
قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَجْبُ قِرَاءَةُ البَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا آيَةٌ مِنْ فَاتِحَةِ الكِتَابِ عِنْدَهُمْ، وَيُسَنُّ الجَهْرُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ الجَهْرِيَّةِ.
دليل الشافعية:
رَوَى البَيْهَقِيُّ فِي السُنَنِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: “﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، سَبْعُ آيَاتٍ إِحْدَاهُنَّ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، وَهِيَ السَّبْعُ االْمَثَانِي وَالْقِرَانُ الْعَظِيمُ، وَهِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ، وَهِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ“.
فَلِذَلِكَ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عِندَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَّا بِقِرَاءَةِ البَسمَلَةِ فِي الفَاتِحَةِ.
وَأَمَّا الدَلِيلُ عَلَى سُنِّيَّةِ جَهْرِهَا مَا رَوَاهُ الحَاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكَانُوا يَجْهَرُونَ بِـ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾.
وَعَنِ ابنِ جُرَيحٍ عَن أَبِيهِ عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيرٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَاتِحَةُ الكِتَابِ ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ، الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ وَقَرَأَ السُّورَةَ، قَالَ ابنُ جُرَيحٍ: فَقُلتُ لِأَبِي: لَقَد أَخبَرَكَ سَعِيدٌ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ آيَةٌ؟ قَالَ: نَعَم.
الخلاصة:
أَجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الأَئِمَّةَ الأَرْبَعَةَ الشَّافِعِيَّ وَمَالِكًا وَأَحْمَدَ وَأَبَا حَنِيفَةَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ، إِذْ هُمْ أَهْلُ الاجْتِهَادِ، فَهُم كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: “إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجتَهَدَ ثُمَّ أَخطَأَ فَلَهُ أَجرٌ“، رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَلِكُلٍّ دَلِيلُهُ، حَيْثُ إِنَّ اِخْتِلَافَهُمْ لَيْسَ فِي أَصْلِ العَقِيدَةِ، بَلْ فِي فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ، وَأَمَّا العَامِيُّ فَمَذْهَبُهُ مَذْهَبُ شَيْخِهِ وَإِمَامِهِ، وَلَا بَأْسَ بَأَنْ يُقَلِّدَ أَيًّا شَاءَ مِنْ هَؤُلَاءِ الأَئِمَةِ الْأَعْلَامِ، وَاللهُ أَرْشَدَنَا أَنَّ نَرْجِعَ إِلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَخُصُوْصًا عِنْدَ الاخْتِلَافِ، فَلَا حَرَجَ شَرْعِيٌّ بِاتِّبَاعِ أَيِّ مَذْهَبٍ مِنْ هَذِهِ المَذَاهِبِ المُعْتَبَرَةِ.
فما رأي الدكتور فاضل السامرائي في الموضوع؟