
بالله أستعين وأصلي وأسلم على سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد الهادي الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين ...
أما بعد أعزائي الأعضاء و زوار ومرتادي منتدانا :
طالما سمعنا أن رجلا من بني حنيفة اسمه «الرَّجَّال بن عنفوة»، كان من الذين وفدوا على رسول الله في وفد بني حنيفة، وكانوا بضعة عشر رجلا فأسلموا، فلزم «الرَّجَّال بن عنفوة» النبيَّ ﷺ، وتعلم منه، وحفظ القرآن و الأحكام، وجدّ في العبادة، وهناك حديث لأبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه ﷺ مر عليه يومًا وهو جالس في رهط (جماعة) من القوم ومن بينهم «الرَّجَّال بن عنفوة» فَقَالَ ﷺ: «إِنَّ فِيكُمْ لَرَجُلًا ضَرْسُهُ فِي النَّارِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ»،
فما مدى صحة قصة ارتداد «الرَّجَّال بن عنفوة» وهروبه لمسيلمة، وهل الحديث فيه صحيح؟
وقفت على من كَذَّبَ القصة وبالدليل والحجة، وأظهر بطلانها وكذب من رواها ...
وقفت على من كَذَّبَ القصة وبالدليل والحجة، وأظهر بطلانها وكذب من رواها ...
انتقل الرسول ﷺ إلى الرفيق الأعلى ومرت الأيام فمات القوم (الذين قال فيهم الرسول ﷺ الحديث) جُلهم على خير ، وعلى الإسلام والإيمان، ولم يبق منهم إلا أبا هريرة رضي الله عنه، و رجلاً من بني حنيفة اسمه «الرَّجَّال بن عنفوة»، وكان من الذين وفدوا على رسول الله في وفد بني حنيفة، وكانوا بضعة عشر رجلا فأسلموا، فلزم «الرَّجَّال بن عنفوة» النبيَّ ﷺ، وتعلم منه، وحفظ القرآن و الأحكام ، وجدّ في العبادة والزهد.
يقول رافع بن خديج رضي الله عنه: كان بالرَّجَّالِ من الخشوع ولزوم قراءة القرآن والخير شيء عجيب.
وقال عنه ابن عمر رضي الله عنهما: كان من أفضل الوفد عندنا .
سبحان اللّه!! كان حافظاً قوّاماً صوّاماً.
ظل إخبارُ النبي عالقًا برأس أبي هريرة رضي اللّه عنه، وكلما رأى"الرَّجَّال بن عنفوة " ومداومته على العبادة وزهده، ظن أن أبا هريرة عن نفسه أنه هو الهالك وأنه هو المقصود بحديث النبي، وأنه هو صاحب النبوءة وأصابه الرعب والفزع.
فلما ظهر مُسيلمة الكذاب في اليمامة وادّعى النبوة واتّــبعه خلقٌ كثير من أهل اليمامة، بعث أبو بكر الصديق «الرَّجَّال بن عنفوة» لأهل اليمامة -كونه منهم- يدعوهم إلى الله، ويثبتهم على الإسلام، فلما وصل " الرَّجَّال " اليمامة التقاه مسيلمة الكذاب، وأكرمه، وأغراه بالمال والذهب، وعرض عليه نصف مُلكه إذا خرج إلى الناس وقال لهم إنه سمع محمداً يقول : إن مسيلمة شريك له في النبوة .
ولما رأى «الرَّجَّال» ما فيه مسيلمة من النعيم - وكان من فقراء العرب - ضعُـــف ونسي إيمانه وصلاته وصيامه وزهده، وخرج إلى الناس الذين كانوا يعرفون أنه من رفقاء النبي ﷺ، فشهد أنه سمع رسول اللّه يقول: إنه قد أشرك معه مُسيلمة بن حبيب في الأمر.
فكانت فتنة «الرَّجَّال» أشد من فتنة مسيلمة الكذاب، وضل خلقٌ كثير بسببه، واتّـــبعوا مُسيلمة، حتى تعدى جيشه أربعين ألفا.
فجهّـز أبوبكر الصديق جيشاً لحرب مسيلمة فهُـــزِم في بادئ الأمر، فأرسل مدداً، وجعل على رأسه سيف الله خالد بن الوليد،
وكان من ضمن الجيش: «وحشي بن حرب» الذي قتل أسد اللّه وسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي اللّه عنه، ثم أسلم و ذهب لرسول اللّه ﷺ.
ولما ذهب «وحشي» في جيش خالد قرر أن يترصّـد مُسيلمة فيقتل شر خلق اللّه، تكفيراً عن قتله حمزة عم النبي ﷺ، و بدأت معركة لم يعرف العرب مثلها، وكان يوماً شديد الهول، وانكشف المسلمون في البداية مع كثرة عدوهم وكثرة عتاده.
ولولا ثبات أصحاب رسول اللّه وأهل القرآن الذين نادوا في الناس، فعادوا إليهم و حملوا على جيش مسيلمة حتى زحزحوه و تتبع «وحشي» مسيلمةَ الكذاب حتى قتله بحصن تحصّــن فيه، وانهزم بنو حنيفة، وقُتل «الرَّجَّال بن عنفوة» مع مَن قُـــتل من أتباع مُسيلمة فمات على الكفر مذموماً مخذولاً!
******************************** التعقيب على القصة وتحليلها *****************************
القصة باطلة رواها الطبري في (التاريخ.998). :"كتب إلي السري، قال: حدثنا شعيب، عن سيف، عن طلحة، عن عكرمة، عن أبي هريرة، وعبد الله بن سعيد، عن أبي سعيد، عن أبي هريرة.."، وهذا إسناد باطل فيه سيف الإخباري متهم بالكذب، قال أبو نعيم:"متهم في دينه مرمي بالزندقة ساقط الحديث لا شيء". وقال أبو حاتم الرازي:"متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي".قال ابن حبان:"يروي الموضوعات عن الأثبات، اتهم بالزندقة، قالوا إنه كان يضع الحديث".
ورواه الطبري من طريق آخر في (التاريخ.999). :"حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن شيخ من بني حنيفة، عن أبي هريرة.."، هذا إسناد ساقط فيه محمد بن حميد بن حيان متهم بالكذب، سلمة بن الفضل الأنصاري ضعيف، محمد بن إسحاق مشهور وهو مدلس، عن شيح من بني حنيفة وهو مجهول.
ورواها ابن عبد البر في (الاستيعاب 551/2) من طريق الواقدي وهو متهم بالكذب.
فالقصة مكذوبة على «الرَّجَّال بن عنفوة»، رضي الله عنه وعلى رسول الله عليه الصلاة والسلام!! فهي من أكاذيب سيف بن عمر، فإنه هو الذي رواها في (الفتوح) كما في (الإصابة) 1/ 39 برقم 2761 - عن مخلد بن قيس البجلي قال: (خرج فرات بن حيان والرَّجَّال بن عنفوة وأبو هريرة من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن أخبرهم فقال : (لضرس أحدهم في النار أعظم من أحد، وإن معه لقفا غادر )، ومرت الأيام وفي خلافة سيدنا أبي بكر وحروب الردة التي جهزها رضي الله عنه بلغ أبا هريرة وفراتاً قتل «الرَّجَّال بن عنفوة» مع مسيلمة في حرب اليمامة فخرا ساجدين!
هذا الحديث هو أصل رواية أن «الرَّجَّال بن عنفوة» يموت على الكفر، والعياذ بالله، لكن الحديث موضوع ؛ فسيف بن عمر شهد بكذبه ابن حبان فقال: "يروي الموضوعات عن الأثبات" ، وقالوا : "إنه كان يضع الحديث"، اتهم بالزندقة، وقال الحاكم : "اتهم بالزندقة"، وهو في الرواية "ساقط"
وقال ابن معين : "فلس خير منه!" ( التهذيب ) 2/144 ، وقال الذهبي : "هو كالواقدي!" ( الميزان ) 2/ 255 قلت : الواقدي يعتمد عليه الطرهوني الجاهل بهذا العلم ؛ فيقوي بمروياته الأحاديث في (سيرته الذهبية)! وقصة ارتداد «الرَّجَّال بن عنفوة» رضي الله عنه من افتراء الواقدي
فهو الذي روى خبر تعلمه القرآن ثم اتباعه مسيلمة الكذاب كما في ( الإصابة )1/ 39، وادعائه إشراك النبي عليه الصلاة والسلام له في النبوة بل زاد الواقدي الكذاب فقال: "وقالوا كان «الرَّجَّال» يقول : "كبشان انتطحا فأحبهما إلينا كبشنا" يعني مسيلمة لأنه من بني حنيفة مثله ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وقد ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أن «الرَّجَّال» ممن أسلم، ولم يذكر شيئاً عن ردته، فدل على أنهما - ابن أبي حاتم وأباه - لم يعتمدا كلام الواقدي، وسيف بن عمر الكذابين!! ( الجرح والتعديل ) 3/519
ومن طريق الواقدي الكذاب : روى القصة ابن سعد في (الطبقات) 1/316-317 ، والدارقطني في (المؤتلف والمختلف) 2/1063 ، والطبري في (التاريخ) 3/ 282–283،287
وقد شارك الواقدي في رواية القصة كذاب آخر هو : محمد بن حميد الرازي - وهو كذاب عند أبي زرعة الرازي فهو من بلد ابن حميد وأدرى به من غيره (الميزان) 3/530 - كما في (تاريخ الطبري) 3/ 288-289
وتذكرنا هذه الفرية على هذا الصحابي بفرية أخرى على صحابي آخر بدري هو حاطب بن ثعلبة رضي الله عنه! ومع الصحابي الجليل عبيد الله بن جحش زوج رملة بنت أبي سفيان الأول أم المؤمنين وزوج النبي عليه السلام بعده حتى اتهموه زورا وبهتانا أنه ارتد عن الإسلام و تنصر في الحبشة ومات نصرانيا بلا دليل صحيح يذكر.
فليحذر المسلمين من المؤرخين الذين حشوا تاريخ الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بالكذب والتزوير ورموهم بالكفر والردة وليعلم المسلمون الباحثون عن الحق بذلك وليدافعوا على من ضحوا باجسادهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجروا من أجل هذا الدين ونصرته وافتدوه بأرواحهم وأموالهم.
منقول للإفادة والنقاش والله الموفق.
دعواتكم لي بظهر الغيب تكفيني أيها الأحبة.

دعواتكم لي بظهر الغيب تكفيني أيها الأحبة.