

إنّ هؤلاء الرجال الثلاثة وهم كعب بن مالك الأنصاري و مُرارة بن الرّبيع العمري و هلال بن أميّة الواقفي -رضي الله عنهم أجمعين-، قد تخلّفوا عن الغزو مع الرسول- صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك وهي آخر غزوات النبي -صلى الله عليه وسلم- والتي كانت في وقت الحر والشدة في العام التاسع الهجري، ومع أن الأخبار تضاربت عن السبب الحقيقي لتخلفهم إلا أنه كان من غير عُذر شرعي ولا نِفاق، لكن على الرغم من فداحة ذنبهم وعظمته، تجاوز الله عنهم وغفر لهم صنيعهم، لأنهم كانوا صادقين مع أنفسهم ومع نبيهم- صلى الله عليه وسلم- فلم يخادعوه ولم يأتوا بأعذار كاذبة، بل صَدَقوا واعترفوا بتخلفهم، ولجأوا إلى الله تائبين فتاب عليهم.
آياتٌ وأحداثٌ تذرف منها الدموع، وتخشع لها القلوب، كان سيدنا الإمام أحمد رحمه الله لا يُبْكِيه شيءٌ من القرآن كما تُبْكِيه هذه الآيات التي نزلتْ في شأن هذه القصة التي يحكيها أحد الثلاثة الذين خُلِّفوا وهو سيدنا كعب بن مالكٍ في حديث نقله لنا عنه ابنه عَبْدَ اللَّهِ بنَ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ -وكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِن بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ- قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عن قِصَّةِ تَبُوكَ، قَالَ كَعْبٌ:
"لَمْ أتَخَلَّفْ عن رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةٍ غَزَاهَا إلَّا في غَزْوَةِ تَبُوكَ، غيرَ أنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ في غَزْوَةِ بَدْرٍ، ولَمْ يُعَاتِبْ أحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إنَّما خَرَجَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حتَّى جَمَعَ اللَّهُ بيْنَهُمْ وبيْنَ عَدُوِّهِمْ علَى غيرِ مِيعَادٍ، ولقَدْ شَهِدْتُ مع رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا علَى الإسْلَامِ، وما أُحِبُّ أنَّ لي بهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وإنْ كَانَتْ بَدْرٌ أذْكَرَ في النَّاسِ منها، كانَ مِن خَبَرِي: أنِّي لَمْ أكُنْ قَطُّ أقْوَى ولَا أيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عنْه في تِلكَ الغَزَاةِ، واللَّهِ ما اجْتَمعتْ عِندِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ، حتَّى جَمَعْتُهُما في تِلكَ الغَزْوَةِ، ولَمْ يَكُنْ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرِيدُ غَزْوَةً إلَّا وَرَّى بغَيْرِهَا، حتَّى كَانَتْ تِلكَ الغَزْوَةُ، غَزَاهَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَرٍّ شَدِيدٍ، واسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا ومَفَازًا وعَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أمْرَهُمْ؛ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فأخْبَرَهُمْ بوَجْهِهِ الذي يُرِيدُ، والمُسْلِمُونَ مع رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَثِيرٌ، ولَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ -يُرِيدُ الدِّيوَانَ- قَالَ كَعْبٌ: فَما رَجُلٌ يُرِيدُ أنْ يَتَغَيَّبَ إلَّا ظَنَّ أنْ سَيَخْفَى له، ما لَمْ يَنْزِلْ فيه وَحْيُ اللَّهِ، وغَزَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تِلكَ الغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ والظِّلَالُ، وتَجَهَّزَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمُسْلِمُونَ معهُ، فَطَفِقْتُ أغْدُو لِكَيْ أتَجَهَّزَ معهُمْ، فأرْجِعُ ولَمْ أقْضِ شيئًا، فأقُولُ في نَفْسِي: أنَا قَادِرٌ عليه، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بي حتَّى اشْتَدَّ بالنَّاسِ الجِدُّ، فأصْبَحَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمُسْلِمُونَ معهُ، ولَمْ أقْضِ مِن جَهَازِي شيئًا، فَقُلتُ: أتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بيَومٍ أوْ يَومَيْنِ، ثُمَّ ألْحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أنْ فَصَلُوا لِأتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ ولَمْ أقْضِ شيئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ ولَمْ أقْضِ شيئًا، فَلَمْ يَزَلْ بي حتَّى أسْرَعُوا وتَفَارَطَ الغَزْوُ، وهَمَمْتُ أنْ أرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، ولَيْتَنِي فَعَلْتُ! فَلَمْ يُقَدَّرْ لي ذلكَ، فَكُنْتُ إذَا خَرَجْتُ في النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَطُفْتُ فيهم، أحْزَنَنِي أنِّي لا أرَى إلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عليه النِّفَاقُ، أوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، ولَمْ يَذْكُرْنِي رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وهو جَالِسٌ في القَوْمِ بتَبُوكَ: ما فَعَلَ كَعْبٌ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِن بَنِي سَلِمَةَ: يا رَسولَ اللَّهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ ونَظَرُهُ في عِطْفِهِ، فَقَالَ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ: بئْسَ ما قُلْتَ، واللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ ما عَلِمْنَا عليه إلَّا خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ كَعْبُ بنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أنَّه تَوَجَّهَ قَافِلًا، حَضَرَنِي هَمِّي، وطَفِقْتُ أتَذَكَّرُ الكَذِبَ، وأَقُولُ: بمَاذَا أخْرُجُ مِن سَخَطِهِ غَدًا؟! واسْتَعَنْتُ علَى ذلكَ بكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِن أهْلِي، فَلَمَّا قيلَ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أظَلَّ قَادِمًا، زَاحَ عَنِّي البَاطِلُ، وعَرَفْتُ أنِّي لَنْ أخْرُجَ منه أبَدًا بشَيءٍ فيه كَذِبٌ، فأجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وأَصْبَحَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَادِمًا، وكانَ إذَا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، بَدَأَ بالمَسْجِدِ، فَيَرْكَعُ فيه رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذلكَ جَاءَهُ المُخَلَّفُونَ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ ويَحْلِفُونَ له، وكَانُوا بِضْعَةً وثَمَانِينَ رَجُلًا، فَقَبِلَ منهمْ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَلَانِيَتَهُمْ، وبَايَعَهُمْ واسْتَغْفَرَ لهمْ، ووَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إلى اللَّهِ، فَجِئْتُهُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عليه تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ: تَعَالَ، فَجِئْتُ أمْشِي حتَّى جَلَسْتُ بيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: ما خَلَّفَكَ؟ ألَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ فَقُلتُ: بَلَى، إنِّي واللَّهِ لو جَلَسْتُ عِنْدَ غيرِكَ مِن أهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أنْ سَأَخْرُجُ مِن سَخَطِهِ بعُذْرٍ، ولقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، ولَكِنِّي واللَّهِ، لقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليومَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى به عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، ولَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إنِّي لَأَرْجُو فيه عَفْوَ اللَّهِ، لا واللَّهِ، ما كانَ لي مِن عُذْرٍ، واللَّهِ ما كُنْتُ قَطُّ أقْوَى، ولَا أيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَّا هذا فقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ. فَقُمْتُ، وثَارَ رِجَالٌ مِن بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي، فَقالوا لِي: واللَّهِ ما عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هذا، ولقَدْ عَجَزْتَ أنْ لا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما اعْتَذَرَ إلَيْهِ المُتَخَلِّفُونَ، قدْ كانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَكَ، فَوَاللَّهِ ما زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حتَّى أرَدْتُ أنْ أرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي، ثُمَّ قُلتُ لهمْ: هلْ لَقِيَ هذا مَعِي أحَدٌ؟ قالوا: نَعَمْ، رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ ما قُلْتَ، فقِيلَ لهما مِثْلُ ما قيلَ لَكَ، فَقُلتُ: مَن هُمَا؟ قالوا: مُرَارَةُ بنُ الرَّبِيعِ العَمْرِيُّ، وهِلَالُ بنُ أُمَيَّةَ الوَاقِفِيُّ، فَذَكَرُوا لي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قدْ شَهِدَا بَدْرًا، فِيهِما أُسْوَةٌ، فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُما لِي، ونَهَى رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المُسْلِمِينَ عن كَلَامِنَا أيُّها الثَّلَاثَةُ مِن بَيْنِ مَن تَخَلَّفَ عنْه، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، وتَغَيَّرُوا لَنَا حتَّى تَنَكَّرَتْ في نَفْسِي الأرْضُ، فَما هي الَّتي أعْرِفُ، فَلَبِثْنَا علَى ذلكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فأمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وقَعَدَا في بُيُوتِهِما يَبْكِيَانِ، وأَمَّا أنَا، فَكُنْتُ أشَبَّ القَوْمِ وأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أخْرُجُ فأشْهَدُ الصَّلَاةَ مع المُسْلِمِينَ، وأَطُوفُ في الأسْوَاقِ ولَا يُكَلِّمُنِي أحَدٌ، وآتي رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَأُسَلِّمُ عليه وهو في مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فأقُولُ في نَفْسِي: هلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ برَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أمْ لَا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا منه، فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أقْبَلْتُ علَى صَلَاتي أقْبَلَ إلَيَّ، وإذَا التَفَتُّ نَحْوَهُ أعْرَضَ عَنِّي، حتَّى إذَا طَالَ عَلَيَّ ذلكَ مِن جَفْوَةِ النَّاسِ، مَشَيتُ حتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أبِي قَتَادَةَ، وهو ابنُ عَمِّي وأَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عليه، فَوَاللَّهِ ما رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلتُ: يا أبَا قَتَادَةَ، أنْشُدُكَ باللَّهِ، هلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ؟ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ له فَنَشَدْتُهُ، فَسَكَتَ، فَعُدْتُ له فَنَشَدْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وتَوَلَّيْتُ حتَّى تَسَوَّرْتُ الجِدَارَ، قَالَ: فَبيْنَا أنَا أمْشِي بسُوقِ المَدِينَةِ، إذَا نَبَطِيٌّ مِن أنْبَاطِ أهْلِ الشَّأْمِ، مِمَّنْ قَدِمَ بالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بالمَدِينَةِ، يقولُ: مَن يَدُلُّ علَى كَعْبِ بنِ مَالِكٍ؟ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ له، حتَّى إذَا جَاءَنِي دَفَعَ إلَيَّ كِتَابًا مِن مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ: أمَّا بَعْدُ؛ فإنَّه قدْ بَلَغَنِي أنَّ صَاحِبَكَ قدْ جَفَاكَ، ولَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بدَارِ هَوَانٍ ولَا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بنَا نُوَاسِكَ، فَقُلتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا: وهذا أيضًا مِنَ البَلَاءِ، فَتَيَمَّمْتُ بهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بهَا، حتَّى إذَا مَضَتْ أرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الخَمْسِينَ، إذَا رَسولُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأْتِينِي، فَقَالَ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأْمُرُكَ أنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، فَقُلتُ: أُطَلِّقُهَا أمْ مَاذَا أفْعَلُ؟ قَالَ: لَا، بَلِ اعْتَزِلْهَا ولَا تَقْرَبْهَا، وأَرْسَلَ إلى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذلكَ، فَقُلتُ لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بأَهْلِكِ، فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ في هذا الأمْرِ، قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بنِ أُمَيَّةَ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ: إنَّ هِلَالَ بنَ أُمَيَّةَ شيخٌ ضَائِعٌ، ليسَ له خَادِمٌ، فَهلْ تَكْرَهُ أنْ أخْدُمَهُ؟ قَالَ: لَا، ولَكِنْ لا يَقْرَبْكِ. قَالَتْ: إنَّه واللَّهِ ما به حَرَكَةٌ إلى شَيءٍ، واللَّهِ ما زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كانَ مِن أمْرِهِ ما كانَ إلى يَومِهِ هذا، فَقَالَ لي بَعْضُ أهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في امْرَأَتِكَ كما أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالِ بنِ أُمَيَّةَ أنْ تَخْدُمَهُ؟ فَقُلتُ: واللَّهِ لا أسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وما يُدْرِينِي ما يقولُ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ؟ فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذلكَ عَشْرَ لَيَالٍ، حتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِن حِينَ نَهَى رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن كَلَامِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وأَنَا علَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِن بُيُوتِنَا، فَبيْنَا أنَا جَالِسٌ علَى الحَالِ الَّتي ذَكَرَ اللَّهُ؛ قدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وضَاقَتْ عَلَيَّ الأرْضُ بما رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ، أوْفَى علَى جَبَلِ سَلْعٍ بأَعْلَى صَوْتِهِ: يا كَعْبُ بنَ مَالِكٍ، أبْشِرْ، قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وعَرَفْتُ أنْ قدْ جَاءَ فَرَجٌ، وآذَنَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، ورَكَضَ إلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وسَعَى سَاعٍ مِن أسْلَمَ، فأوْفَى علَى الجَبَلِ، وكانَ الصَّوْتُ أسْرَعَ مِنَ الفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الذي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي، نَزَعْتُ له ثَوْبَيَّ، فَكَسَوْتُهُ إيَّاهُمَا ببُشْرَاهُ، واللَّهِ ما أمْلِكُ غَيْرَهُما يَومَئذٍ، واسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وانْطَلَقْتُ إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا، يُهَنُّونِي بالتَّوْبَةِ، يَقولونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، قَالَ كَعْبٌ: حتَّى دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إلَيَّ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حتَّى صَافَحَنِي وهَنَّانِي، واللَّهِ ما قَامَ إلَيَّ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ، ولَا أنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ علَى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: أبْشِرْ بخَيْرِ يَومٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ ولَدَتْكَ أُمُّكَ، قَالَ: قُلتُ: أمِنْ عِندِكَ يا رَسولَ اللَّهِ أمْ مِن عِندِ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مِن عِندِ اللَّهِ. وكانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حتَّى كَأنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وكُنَّا نَعْرِفُ ذلكَ منه، فَلَمَّا جَلَسْتُ بيْنَ يَدَيْهِ قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ مِن تَوْبَتي أنْ أنْخَلِعَ مِن مَالِي صَدَقَةً إلى اللَّهِ وإلَى رَسولِ اللَّهِ، قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ؛ فَهو خَيْرٌ لَكَ. قُلتُ: فإنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الذي بخَيْبَرَ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ إنَّما نَجَّانِي بالصِّدْقِ، وإنَّ مِن تَوْبَتي أنْ لا أُحَدِّثَ إلَّا صِدْقًا ما بَقِيتُ. فَوَاللَّهِ ما أعْلَمُ أحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ أبْلَاهُ اللَّهُ في صِدْقِ الحَديثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلكَ لِرَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أحْسَنَ ممَّا أبْلَانِي؛ ما تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلكَ لِرَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى يَومِي هذا كَذِبًا، وإنِّي لَأَرْجُو أنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيما بَقِيتُ، وأَنْزَلَ اللَّهُ علَى رَسولِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} إلى قَوْلِهِ: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 117 - 119] ، فَوَاللَّهِ ما أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِن نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ، أعْظَمَ في نَفْسِي مِن صِدْقِي لِرَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أنْ لا أكُونَ كَذَبْتُهُ، فأهْلِكَ كما هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا؛ فإنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا -حِينَ أنْزَلَ الوَحْيَ- شَرَّ ما قَالَ لأحَدٍ، فَقَالَ تَبَارَكَ وتَعَالَى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ} إلى قَوْلِهِ: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 96] . قَالَ كَعْبٌ: وكُنَّا تَخَلَّفْنَا أيُّها الثَّلَاثَةُ عن أمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ منهمْ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ حَلَفُوا له، فَبَايَعَهُمْ واسْتَغْفَرَ لهمْ، وأَرْجَأَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمْرَنَا حتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ، فَبِذلكَ قَالَ اللَّهُ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] ، وليسَ الذي ذَكَرَ اللَّهُ ممَّا خُلِّفْنَا عَنِ الغَزْوِ؛ إنَّما هو تَخْلِيفُهُ إيَّانَا، وإرْجَاؤُهُ أمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ له واعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَبِلَ منه."
الدروس والعظات التي تعلمنا إياها القصة:
- الصِّدق سفينة النَّجاة: أمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ بالصِّدقِ، وجعَلَ النَّجاةَ في الدُّنْيا والآخِرةِ مَنوطةً به، حتَّى وإنْ بَدا في ظاهِرِ الأمْرِ أنَّ فيه الهَلاكَ لصاحِبِه، وحرَّمَ الكَذِبَ، وجعَلَه طَريقَ الخُسرانِ والبَوارِ في الدُّنْيا والآخِرةِ، حتَّى وإنْ بَدا في ظاهِرِ الأمْرِ أنَّ فيه النَّجاةَ. حيث أدرك كعبٌ، وهلالُ، ومُرَارةُ- رضي الله عنهم- خطورة الكذب، فعزموا على سلوك طريق الصَّراحة، والصِّدق، وإنْ عرَّضهم ذلك للتَّعب، والمضايقات، ولكنْ كان أملُهم بالله تعالى كبيرا في أن يقبل توبتَهُم، ثمَّ يعودون إلى الصَّفِّ الإسلاميِّ أقوى ممَّا كانوا عليه، وما أجملَ ختمَ ربِّ العالمين توبته على كعبٍ وَمَنْ معه- رضي الله عنهم- بقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119].
- أثر الهَجْر التَّربويُّ في المجتمع: نَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المُسلِمينَ عنِ التَّكلُّمِ معَ الثَّلاثةِ: كَعْبٍ، ومُرارةَ، وهِلالٍ رَضيَ اللهُ عنهم، فاجتَنَبَهم جَميعُ النَّاسِ، ولم يُكلِّمْهم أحدٌ، فاعتَزَلَ مُرارةُ وهِلالٌ رَضيَ اللهُ عنهما يَبْكيانِ في دارِهما، وأمَّا كَعبٌ رَضيَ اللهُ عنه، فكان أقْوى مِن الرَّجُليْنِ، وأكثَرَ منهما صَبْرًا وجَلَدًا، فكان يَمْشي بيْن النَّاسِ ويَشهَدُ صَلاةَ الجَماعةِ، ويَطوفُ في الأسْواقِ دونَ أنْ يَتكلَّمَ معَه أحدٌ، ويُخبِرُ أنَّه تَغيَّرَ عليه كلُّ شَيءٍ، حتَّى الأرْضُ الَّتي يَمْشي عليها تَغيَّرتْ، فما هي الأرْضُ الَّتي يَعرِفُها، وظلَّ على هذه الحالِ خَمسينَ يومًا. فكان لهجر الثلاثة من طرف بقية الصحابة درس له منافعُه العظيمة في التربية على الاستقامة، ومنع الناس من التَّورُّط في المخالفات الَّتي تكون إمَّا بترك شيءٍ من الواجبات، أو فعل شيءٍ من المحرَّمات. وهذا الهجر يختلف عن الَّذي يكون بين المسلمين على أمور الدنيا، فهذا دنيويٌّ، وذاك دينيٌّ.
- تنفيذ المجتمع المسلم كلِّه لأوامر القيادة: استجاب المجتمع المسلم كلُّه لتنفيذ أمر المقاطعة، والهجر الَّذي صدر من القائد الأعلى النبي محمد- صلى الله عليه وسلم-، وامتنعوا جميعًا عن الحديث مع هؤلاء الثلاثة، ووصف كعبٌ لنا ذلك، فقال: “… فاجتَنَبَنا النَّاس، وتغيَّروا لنا، حتَّى تنكَّرتْ في نفسي الأرضُ فما هي التي أعرف، فأمَّا صاحباي، فاستكانا، وقعدا في بيوتهما يبكيان…”.
- الولاء التَّامُّ لله ورسوله- صلى الله عليه وسلم-: فقد كان العدوُّ يراقب، ويرصد، ويستغلُّ الفرصة السَّانحة لكي يمزِّق الجبهة الدَّاخلية، ويشعل نار الفتنة بين المسلمين، حيث استغلَّ ملكُ غسَّان فرصة هجران المسلمين لكعب بن مالكٍ- رضي الله عنه-، فأرسل سفيره له برسالةٍ خاصَّةٍ جاء فيها «أمَّا بَعدُ؛ فإنَّه قد بَلَغَني أنَّ صَاحِبَكَ قدْ جَفاكَ، ولم يَجعَلْكَ اللهُ بِدارِ هَوانٍ، ولا مَضْيَعةٍ، فالْحَقْ بنا نُواسِكَ»، والمَعنى: أنَّه وصَلَنا أنَّ محمَّدًا -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قدْ قاطَعَكَ، ولم يُرِدِ اللهُ لكَ أنْ تكونَ بدارِ ضَعفٍ وحَقارةٍ، ولا دارٍ يَضيعُ فيها حقُّكَ؛ فَأْتِ إلينا نُخفِّفْ مِن حُزنِكَ ومُصابِكَ.» يُغريه فيها. فكان رد كعب على هذه الرِّسالة: “وهذا من البلاء أيضا! قد بلغ منِّي ما وقعت فيه أن طمع فيَّ رجالٌ من أهل الشِّرك! ثمَّ أحرق الرِّسالة.
- توبة الله على العبد قِيمَةٌ دينيَّةٌ يتطلَّع إليها الصَّادقون: فعندما نزلت الآيات الكريمة الَّتي بيَّنت توبة الله على هؤلاء الثَّلاثة؛ اقتَرَبَ كَعبٌ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسلَّمَ عليه، ويَذكُرُ كَعبٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا حصَلَ له سُرورٌ، اسْتَنارَ وَجهُه حتَّى كأنَّه قِطعةُ قَمرٍ، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو في شِدَّةِ الفَرَحِ: «أبشِرْ بخَيْرِ يَومٍ مَرَّ عليكَ منذُ ولدَتْكَ أُمُّكَ»، أي: سِوى يومِ إسْلامِه، وهو مُستَثنًى تَقْديرًا، وإنْ لم يَنطِقْ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أو أنَّ يومَ تَوْبتِه مُكمِّلٌ ليومِ إسْلامِه؛ فيومُ إسْلامِه بِدايةُ سَعادتِه، ويَومُ تَوْبتِه مُكمِّلٌ لهذه السَّعادةِ، فهو خَيرٌ مِن جَميعِ أيَّامِه، وإنْ كان يومُ إسْلامِه خَيرَها.
- تشرع أنواعٌ من العبادات شكرا لله عند النِّعمة: كانت فرحة كعب بن مالكٍ بتوبة الله- سبحانه وتعالى- عليه لا تحدُّها حدودٌ، ولا تصوِّرها مثل، وقد تفنَّن هو- رضي الله عنه- في التَّعبير بسجود الشُّكر، ومكافأة الَّذي يحمل البُشرى حيث نزع كعب ثوبيه اللَّذين كان يلبَسُهما، فكساهما الَّذي سمع صوته بالبشرى، وما كان يملك وقتئذٍ غيرهما، ثمَّ استعار ثوبين، فلبسهما، كما تصدّق بالمال.
- التصالح مع الذات: فهو إجراء مهم وله أثر كبير في تحسين الحياة، فهذه سويّة كعبٍ لم تمنعه من أن ينقلَ هذه القصّة بمصاعبها كلّها لابنه، وأبت سويّته ومن معه أن يقولوا خلاف ما يعرفون من أنفسهم؛ فلم يبرروا كسلهم وتباطُؤهم عن الخروج مع وجود المبرّرات؛ وإنّما تصالحوا مع أنفسهم فصدقوا مع ذواتهم ونالوا خيرًا عظيمًا.
- الامتثال لأمر الله سبحانه دون تفكير: فهذا كعب لمّا أتاه أنِ اترك زوجَك لم يتباطأ لحظة، وإنّما قال: أأطلّقها؟ وهذه سرعة استجابة لأمر الله لافتة يجب الاحتذاء بها.
- تركُ التّسويف: فهو مشكلة عضال قد تؤدّي إلى ما لا يحمد عقباه، فهذا هو كعب ظلّ يُسوّف حتّى خرج الجيش وعاد، فندم ندمًا شديدًا.
- عظم أمر المعصية: وقد نبّه الحسن البصري على ذلك فيما أخرجه بن أبي حاتم عنه قال: يا سبحان الله ما أكل هؤلاء الثلاثة مالاً حراماً ولا سفكوا دماً حراماً ولا افسدوا في الأرض أصابهم ما سمعتم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت فكيف بمن يواقع الفواحش والكبائر.
- جواز إخبار المرء عن تقصيره وتفريطه وعن سبب ذلك وما آل إليه أمره تحذيرا ونصيحة لغيره.
- أن الإمام لا يهمل من تخلف عنه في بعض الأمور بل يذكره ليراجع التوبة، حيث سأل النبي- صلى الله عليه وسلم- الصحابة الذين تخلفوا عن غزو تبوك عن أسباب تخلفهم.
- استحباب بكاء العاصي أسفًا على ما فاته من الخير.
- ترك السلام على من أذنب، وجواز هجره أكثر من ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق الثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيًّا.
- إيثار طاعة الرسول على مودة القريب.
- إعطاء البشير أنفس ما يحضر الذي يأتيه بالبشارة.
- اجتماع الناس عند الإمام في الأمور المهمة وسروره بما يسر أتباعه.
- جواز إخبار الرجل عن تفريطه وتقصيره في طاعة الله ورسوله، فقد أعطى كعب خلاصة هذه التجربة ينصح بها نصيحة للمسلمين ليتأسّوا بذلك فيهجرُوا المعاصي ويتركوا الذنوب، فالعاقل من اعتبر بغيره.
- جواز تعزير المتخلّف عن الجهاد مع ولي أمر المسلمين حتى يشعر بألم المخالفة، وينبغي لولي الأمر أن يذكره ويعنفه ويوبخه، ليأخذ بيده إلى الله تعالى، لأنّ إهمال المسلمين المقصرين وعدم السؤال عنهم يفسدهم ويعرضهم للزلل والزيغ، ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كعبًا وقال: “ما فعل كعب؟”.
- الذب (أي الدفاع) عن عِرض المسلمين، كما ردّ معاذ رضي الله عنه على من طعن في كعب رضي الله عنه بقوله: “حبسه برداه والنظر في عطفيه”، فقال له معاذ: “بئس ما قلت، والله يا رسول الله، ما علمنا عليه إلا خيرًا”.
- إجراء الأحكام على الظاهر وترك السرائر إلى الله تعالى، فمع أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم كذب المنافقين إلا أنه قَبِلَ منهم ووكل سرائرهم إلى الله، ولم نؤمر أن نشق عن صدور الناس.
