
يوم القيامة هو الحدث الأعظم في تاريخ الخلق، وهو يوم البعث والحساب والجزاء،
يوم يُبعث فيه الناس من قبورهم ليقفوا بين يدي الله عز وجل.
ولقد بيَّنت نصوص الوحي تفاصيل دقيقة عن هذا اليوم المهيب، ومن بينها سؤال يتكرر كثيرًا:
من هو أول مخلوق يُبعث يوم القيامة؟
هذا السؤال يهم كل مسلم يرجو النجاة ويبحث عن الفهم الصحيح لعقيدته. في هذا المقال،
نستعرض الإجابة من خلال القرآن الكريم، والسنّة النبوية الصحيحة، وفهم سلف الأمة.

البعث بعد الموت: عقيدة أصيلة في الإسلام
قبل الخوض في تحديد أول من يُبعث، لا بد أن نذكّر بأن الإيمان بالبعث بعد الموت ركن من أركان الإيمان الستة. قال الله تعالى:
﴿ زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ أَن لَّن يُبْعَثُوا۟ ۚ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّى لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلتُمْ ۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ ﴾
(التغابن: 7)
وقد تواترت الأدلة في القرآن والسنّة على أن الله سيبعث جميع الخلق يوم القيامة ليحاسبهم على أعمالهم.
من هو أول من يُبعث يوم القيامة؟
الجواب في السنّة النبوية الصحيحة
ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي محمد ﷺ قال:
"أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مُشفَّع."
(رواه مسلم، رقم 2278)
وفي رواية عند البخاري:
"أنا أول من تنشق عنه الأرض."
(رواه البخاري، رقم 3340)
إذًا، الجواب الواضح والصريح:
أول مخلوق يُبعث يوم القيامة هو النبي محمد ﷺ.

لماذا يُبعث النبي ﷺ أولاً؟
1. مقامه عند الله
كون النبي ﷺ أول من يُبعث هو من دلائل شرفه ومنزلته العظمى عند ربه،
فقد اختاره الله ليكون خاتم النبيين، وسيد ولد آدم، وله المقام المحمود يوم القيامة، الذي يحمده عليه الأولون والآخرون.
2. ليتولى الشفاعة الكبرى
من حكم بعثه أولاً أن يكون مستعدًا للشفاعة الكبرى المعروفة بـ"الشفاعة العظمى" أو "المقام المحمود"،
حيث يشفع لأهل الموقف ليبدأ الحساب بعد أن يتمنوا الخلاص من طول الموقف.
قال تعالى: ﴿ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ﴾
(الإسراء: 79)
وقد فُسر هذا المقام بأنه الشفاعة العظمى يوم القيامة.
التنبيه على بعض المفاهيم الخاطئة
ينتشر أحيانًا سؤال "أول من يُبعث من البشر" في مقابل "أول من يُبعث على الإطلاق"، وهنا وجب التنبيه:
بعض الناس يظن أن إسرافيل عليه السلام يُبعث أولًا لأنه ينفخ في الصور،
ولكن هذا غير دقيق. النفخ يتم بعد البعث بأمر الله، وليس دليلًا على أسبقية البعث.
الملائكة لا يُبعثون كبقية البشر، فهم لا يموتون جميعًا دفعة واحدة، بل يبقون حتى ينفخ إسرافيل في الصور.
الترتيب الزمني لأحداث البعث باختصار
1. ينفخ إسرافيل في الصور (النفخة الثانية)
2. يُبعث النبي محمد ﷺ أول من يُبعث
3. تنشق القبور ويُبعث الناس تباعًا
4. يُجمع الخلق في أرض المحشر
5. يبدأ الحساب بعد الشفاعة العظمى
عقيدة أهل السنّة والجماعة في البعث
يعتقد أهل السنّة والجماعة أن:
البعث يكون بدنيًا وروحيًا، أي تُعاد الأرواح إلى الأجساد.
الناس يُبعثون حفاةً عراةً غرلاً (غير مختونين)، كما ورد في الحديث.
يُحشر الناس على هيئة أعمالهم، ويُنادى كل إنسان بإسمه واسم أبيه.

إذن، الجواب المؤكد من الوحي الصحيح أن أول مخلوق يُبعث يوم القيامة هو نبينا محمد ﷺ،
وهذا مما يدل على عظيم منزلته وعلو مقامه بين الخلائق.
وهذا الجواب نأخذه من مصادر موثوقة ثابتة، من السنّة الصحيحة، بعيدًا عن التأويلات الفاسدة أو الأقوال الضعيفة.
فالحذر من البدع والخرافات، والاعتصام بالوحي والفهم السليم للعقيدة، هو سبيل النجاة في الدنيا والآخرة.
دراسة عقائدية مستندة إلى النصوص الصحيحة وفق منهج أهل السنة والجماعة

