الإلحاد وانتشار الشبهات العقدية ظاهرة قديمة متجددة،
لكنها في عصرنا الحاضر ازدادت مع الانفتاح الإعلامي والفضاء الرقمي،
حتى صار بعض الشباب المسلم يواجه شبهات تتعلق بوجود الله، أو عدل الله، أو حقيقة البعث والنشور.
وقد واجه القرآن الكريم هذه الشبهات منذ نزوله، ورد عليها بالحجج العقلية والبراهين القاطعة،
كما جاءت السنة النبوية لتعزز هذه الردود.
في هذا المقال سنعرض أهم الشبهات العقدية التي يثيرها الملاحدة وغيرهم،
ونبين الردود المستندة إلى القرآن والسنة والعقل الصحيح.
أولاً: مفهوم الإلحاد والشبهات العقدية
الإلحاد: في اللغة هو الميل عن الشيء، وفي الاصطلاح هو إنكار وجود الله
أو إنكار أسمائه وصفاته أو ألوهيته. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ [فصلت:40].
الشبهات العقدية: هي الأفكار المغلوطة التي تثار حول العقيدة الإسلامية،
مثل إنكار البعث، أو الطعن في حكمة الله، أو الاعتراض على القضاء والقدر.
ثانياً: أبرز الشبهات العقدية والإلحادية
1. شبهة إنكار وجود الله
يزعم بعض الملاحدة أن الكون نشأ صدفة، أو أنه أزلي بلا خالق.
الرد: القرآن الكريم رد بوضوح:
﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور:35].
أي: لا يمكن أن يكونوا وُجدوا بلا خالق ولا أنهم خلقوا أنفسهم.
العقل يشهد أن كل مخلوق له خالق، وكل حادث يحتاج إلى محدث.
2. شبهة الشر والمعاناة
يقول الملاحدة: لو كان الله رحيماً، فلماذا يوجد الشر والمرض والفقر؟
الرد: الشر جزء من الابتلاء الإلهي. قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء:35].
الشر الظاهر قد يكون فيه خير باطن، مثل المرض الذي يكفر الذنوب.
وجود الشر يبرز قيمة الخير، ويختبر صبر المؤمن.
3. شبهة إنكار البعث
يزعم بعضهم أن الحياة تنتهي بالموت، ولا بعث بعدها.
الرد: القرآن ذكر قول الكافرين: ﴿وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ [الإسراء:49].
والرد جاء: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس:79].
فالذي خلق الإنسان من العدم قادر على بعثه بعد الموت.
العقل يقرر أن العدل يقتضي بعث الناس ليجازى المحسن والمسيء.
4. شبهة التناقض بين الدين والعلم
يقول بعض الملحدين إن الدين يخالف الحقائق العلمية.
الرد: لا تعارض بين نصوص الوحي القطعية والعلم الصحيح.
القرآن سبق في الإشارة إلى حقائق علمية مثل خلق الجنين: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً﴾ [المؤمنون:14].
كثير من العلماء الغربيين أنفسهم يقرون بوجود خالق عظيم للكون.
5. شبهة الحرية المطلقة
يدّعي بعضهم أن الإيمان يقيّد الحرية، بينما الإلحاد يحرر الإنسان.
الرد: الحرية الحقيقية في الإسلام هي التحرر من عبودية الهوى والشهوات، لا الانغماس فيها.
قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ [الجاثية:23].
فالذي يتبع شهواته بلا ضابط هو العبد الحقيقي.
ثالثاً: مناهج القرآن في الرد على الشبهات
المنهج العقلي: مثل الاستدلال بالخلق على وجود الخالق.
المنهج الفطري: فالإنسان مفطور على الإيمان بالله.
قال النبي ﷺ: «كل مولود يولد على الفطرة» (رواه البخاري ومسلم).
المنهج العملي: بذكر آثار الإيمان في حياة الأفراد والمجتمعات.
المنهج التاريخي: ببيان مصير الأمم المكذبة.
رابعاً: أساليب السنة في معالجة الشبهات
كان النبي ﷺ يحاور المشركين بالحجة.
كان يرد على الأسئلة مباشرة. مثال: عندما سئل عن الروح،
جاء الجواب: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء:85].
استخدم التشبيه العقلي: مثل تشبيه البعث بإنبات النبات بعد المطر.
خامساً: دور المسلم في مواجهة الإلحاد
تعلم العقيدة الصحيحة: فهم التوحيد وأركان الإيمان.
الاستزادة من العلم الشرعي: بالقرآن والسنة وشروح العلماء.
الرد بالحكمة والموعظة الحسنة: قال تعالى:
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل:125].
التواصل مع الشباب بلغتهم: عبر المنتديات ووسائل الإعلام.
القدوة العملية: أن يرى الناس أثر الإيمان في سلوك المسلم.
سادساً: قوة العقيدة الإسلامية أمام الإلحاد
العقيدة الإسلامية متينة لأنها تقوم على الدليل النقلي والعقلي معاً.
الإسلام دين فطرة، يتفق مع طبيعة الإنسان وحاجاته الروحية.
تاريخ المسلمين مليء بالعلماء الذين جمعوا بين الشرع والعقل، وأثبتوا أن الدين لا يعارض العلم.
الرد على الشبهات العقدية والإلحاد ضرورة في عصرنا، لحماية الشباب المسلم من الانجراف وراء دعاوى باطلة.
وقد كفانا القرآن والسنة مهمة الرد بالبراهين الواضحة.
والمسلم اليوم بحاجة إلى أن يجمع بين الإيمان الراسخ والعقل المستنير،
حتى يكون قادراً على مواجهة هذه التيارات الفكرية.
قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف:108].
